رمضان غزاوي !!
بقلم / خليل نظير اللوقة
بمبلغ
ٍليس بالهين .. اشترى أبو جابر مروحة لتخفف عنه حر الصيف نهاراً ًوتخلده للنوم
الهانئ ليلاً .. وفرحت أم جابر كثيراً بمروحة زوجها فهي دوماً ما كانت تلج رأسه
بمكيف جارتها أم علي الذي يحول البيت من فرن ساخن لثلاجة تعزف النفس عن ترك حلاوة
الهواء البارد فيها ..
وقضت
أم جابر ليلة سعيدة مع زوجها قبل رمضان ليس بمتعة الفراش الناعم !! إنما للمرة
الأولى لم يستيقظا وقد انهمر العرق وتصبب ماء الجسد على السرير ضيق الأفق ,
فالكهرباء لحسن حظهما هنأتهم بمروحتهم الجديدة وأكملت ليلة كاملة بلا غمز أو لمز
!! وفي الصباح السعيد قام أبو جابر للتلفاز ليشاهد الأخبار منتظراً طعام الإفطار
مع أولاده الثلاثة وزوجته , ومن بعده سينطلق ليقضي قوت يومه في دكانه البسيط بجوار
المنزل , وهنا وقفت عيني أبو جابر على وجه بشوش المنظر لائق الكلام تبدو عليه معالم
إحساس بمسؤولية كبيره ومهمة ثقيلة , كتبوا تحت وجهه الموقر ....... شركة كهرباء
غزة , فشد انتباه أبو جابر وأخذ يستمع لسلام وتحية وتهاني وتبريكات بقدوم رمضان
فرد عليه أبو جابر وهنأه وشركته فهم أصحاب الكهرباء التي بدونها لن تدور مروحته
الجديدة ولن تبرد ثلاجاته العصائر بدكانه ..
انتهت
الفقرة الأولى من الخطاب وأبو جابر لا يعلم بأنه قد شُرب مهدئاً وأُطعمَ مُسكناً
ولكنه لن يكون طويل الأمد , فأبو جابر انفجر بعد سماعه كلام ( يسم البدن ) من هذا
الوجه المقنع :" غزة على موعد مع جدول جديد لقطع الكهرباء في شهر رمضان المبارك
" وعادت بسمة صغيرة لأبو جابر عندما سمع " سيطرأ تحسن ملحوظ على الكهرباء
برمضان " ولكنه سرعان ما عاد للإغماء فالوجه البشوش قال :" سنزود ساعة ونؤخر
ساعة " , ما شاء الله عليكم شركة تسهر لعيون المواطن .. يقول أبو جابر .. وقبل
أن يهم بمناداة زوجته انقطع صوت ذلك الرجل فشركته قطعت الكهرباء وفاءاً ً لكلامه
المعسول !!
خرج
أبو جابر من البيت للدكان غضباً يفكر برمضان الذي سيحل غداً ولا كهرباء وحر شديد
شديد , والشركة والحكومة يلعنان الشعب بتضخيم للأزمة وتصدير للمشكلة وتزويدها ..
اقتباسات من الشارع الغزي ..
مضى
يوم أبو جابر الثقيل وانتظر الكهرباء التي حلت مساءاً , ليقضي ليله فرحاً مع أسرته
بحلول رمضان في الغد , فقد أحضر أبو جابر طعاماً للسحور ونظم ساعة المنبه على
الثالثة فجراً ليبدأ أول أيام الصيام ..
استيقظ
أبو جابر على الواحدة والنصف ومعه أم جابر فالمروحة توقفت والضوء الخفيف انقطع بعد
أن انطفأت الكهرباء عن الحي بأكمله , لم يستطع أبو جابر النوم وأخذ يقلب كف على كف
ويلعن ويسب ويشتم وأم جابر تهدأ من روعه قليلاً , وخرج أبو جابر من البيت ليجد
أمامه الجيران مصطفين يلعنون ويسبون , فابتسم .. فقد علم أنه ليس لوحده من أذنب
إنما غزة كلها تسب وتلعن .. " أنه أول أيام رمضان يقطعون الكهرباء " ,
"ربما هي قَطعَة بسيطة لتخفيف حملٍ زائد " , وهنا ينفجر أبو جابر:"
حملٌ زائد الساعة الواحدة والنصف يا أبو حسن !! أرجوك اصمت " ..
وفجأة
أضاء الحي لبرهة .. ومن ثم عاد للحال الميؤس , ليعيد الأهالي مسباتهم على المسؤولين
وحججهم الواهية البالية .. " إنها غمزه رمضان من المسؤولين لنا " يعلق
أبو جابر حقداً وتهكما ً..
رنت
ساعة المنبه ولم تجد من يوقفها سوى جابر بعد أن ضربها بالأرض غضباً وقهراً على
انقطاع الكهرباء , ونادى جابر والده ليتناولوا السحور المحسود على شمعة تترنح
ساخرة على صمتنا البائس وسكوتنا المغلف بخوف وجبن بلا سبب ..
وصلى
أبو جابر بالمسجد على أنوار الشواحن الضعيفة ودعا ربه أن يجعل رمضان غزة عامراً
بالكهرباء وزاخراً بالشموعِ والأضواء , وأن يكون فطوره ليس كسحوره الموكوس !! وأكمل
دعائه بأن ينزع الله الجبن والخوف من صدور الشعب لينتفض لمرةٍ واحدة يطالبُ بحقٍ
مشروع ومِلكٍ مهدور ..
بقلم / خليل نظير
اللوقا
بعد أن قدم شعب مصر
تضحيات تليها تضحيات من أجل أن يظفر برمق من الحرية بعد ظلم النظام الظالم وعتمة
الليل الداكن , الذي ذاقه على مر ثلاثين سنة أو يزيد من حكم أسياد لعبيد وتحكم
لطغاة مستبدين لا يعرفون سوى بطونهم وعوائلهم وتضخيم أموالهم والتنافس بينهم لمن
يصعد أولا لسلم أثرياء العالم , وشعوبهم لا تكاد تذوق طعماً لرغيف أو لقمةٍ لطعام
أو شربه لماء تروي بها ظمأ أو تسد بها جوعاً ..
لقد انحرفت عن مسار
مقالي قليلاً .. فظلمهم كان كبير وتسلطهم على شعوبهم كان عسير .. أما ما أريد قوله
في تلك السطور , أن ما وصل إليه شعب مصر اليوم من اختيار لرئيس لهو أجمل ما في تلك
الثورة المباركة , فقد حقق هدفاً سامياً ورسم صورة عالية لشعب مصر العظيم , فقد
ثار على الظلم والطغيان وأبعد ليس فلول النظام بل أصول النظام فشفيق كان رمزاً من
رموز مبارك , وضحى لأجل أن يصل ويعيد صورة سابقيه ولكن عزيمة المصريين وإرادتهم
ردت كيد الكائدين لنحورهم وجعلت رموز الثورة يحلقون في سماء مصر ..
لقد كان المصريون في
عهد مبارك يعرفون نتيجة الانتخابات قبل أن تبدأ , فرئيسهم المبجل يحصد تسعة وتسعون
بالمائة !! يا للعجب إن من يعبد الله في هذا الكون لا يصلون لهذا الرقم .. ومبارك
وصل إليه بقدرة لا يعلمها إلا هو !!
إن نتائج الانتخابات
الرئاسية المصرية لهي أمر طبيعي لدرجة الظلام والظلم الذي عاشه المصريون , فلِمَ نقف
حزانى ونلطم الكفوف والأوجه ؟ لقد اختار المصريون كما اختار الفلسطينيون وكما
اختار التونسيون وكما اختار قبلهم الكثير من الشعوب , ألم تكن الانتخابات المصرية
نزيهة بشهادات الجميع ؟ لم الخوف إذن ؟!
أنا لست إخوانياً
وأبدا لن أكون , وبالتأكيد لست مدافعاً عن نظام سابق ولكن أوجه رسالتي كمتابع
للأحداث في مصر والوطن العربي , لقد اختار الشعب وحدد كلمته فيجب أن نقف مع إرادة
الشعب المصري ونحترمها ونقدرها , أيعقل بنا أن ننغص فرحة الديمقراطية المصرية
الأولى في التاريخ ؟ وننتظر بما ستؤول إليه الأمور ولا نبدأ بالحكم والتهويل
والتوقعات الزائفة التي لا تعرف سوى حقدا أو كرهاً , يجب علينا أن نُحكم عقولنا
ونجعل من ألبابنا ميزاناً لقياس درجة نقاء أذهاننا لنبعد عنها زيف الحقد والحسد ,
وكلمة أخيرة أحببت أن أذكرها .. إن وصول مرسي لكرسي الرئاسة لهو إنذار لكل ظالمٍ
فاسد وحاكمٍ طاغي , ألم يكن مرسي وجماعته في أيام من سنين داخل السجون والمعتقلات
في عهد البائد مبارك , اليوم نرى عكس تلك الرواية فمبارك يناظر من خلف القضبان
ويرى كرسيه مع من حاربهم وسجنهم وعذبهم , فالأيام دول وشاعر أم كلثوم عبد المنعم
السباعي قالها في أغنيته الخالدة :
دي حكمة الله في آية لكل ظالم نهايه
عذراً ميسي .. فمحمود هو الأفضل
بقلم / خليل نظير اللوقة
لاشك
أن ما يقوم به نجم العالم الأرجنتيني ليونيل ميسي لهو أمر خيالي وجنوني , فمهاراته
تعدت الحدود ووصلت لمستوى يعجز اللسان عن وصفه , ولكن يبقى هذا الشخص هو مجرد لاعب
يمارس هوايته كسباً لشهرة أو لمال , سواء له أو لناديه أو لجماهيره العاشقة لفنونه
ومهاراته ..
لكن
.. ما يقوم به البطل اللاعب محمود السرسك لهو أمر أكثر خيالاً وجنوناً , فصموده
تعدى الحدود والحواجز , وسطر أروع ملامح المقاومة والتحدي في وجه السجان الإسرائيلي
, ليس بمهاراتٍ أو بطولات ولا كسباً لمالٍ أو لشهرة , إنما طلباً للحرية المنزوعة
.. وسعياً للكرامة المهدورة , فمحمود فلسطيني يعشق المغامرة والتحدي , حتى لو كانت
أمام قوة من أعتى قوات الأرض ..
وصل
محمود لليوم الخامس والثمانين من إضرابه عن الطعام , صحته تهالكت وجسده تهاوى ..
ولكن عزيمته لم تتهاوى ولم تنكسر , وعُودهُ الصلبُ ما زال يضرب غيظ السجان ويلعن
كيد الساكتين والظُلام ..
محمود
يأبى الانكسار والخضوع إلا باسترجاع حقه في الحياة بحريه وسلام وطمأنينة واستقرار
, ليس كبقية سكان العالم فحسب .. إنما كبقية لاعبي العالم , فلو أن شخصاً تعدى على
ميسي أو أمثاله سباً أو قذفاً لرأيت عقوباتٍ وتصريحاتٍ ومؤتمراتٍ ومظاهرات اعتصاماً
مع ميسي وتضامناً مع عطره المفقود , أما محمود حرم نفسهُ من طعامٍ وشراب .. وأُبعدَ
عن أهله وشعبه .. ولم تجد ناصراً ينصره ولا معيناً يعينه في كربته .. سوى ربه
وخالقه الذي يمهل ولا يهمل أبداً عباده المظلومين ..
وربما
العيبُ الذي ينبغي أن نذكره في هذا المقام .. أن إعلامنا لم يعطي محمود الاهتمام
المستحق ولا التغطية اللازمة , تقديراً على صموده الأسطوري .. لماذا يا إعلامنا
الموقر لم تسلط الضوء عليه كما خضر عدنان أو هناء شلبي أو ثائر حلاحلة ؟ أهو أقل
منهم صموداً وتضحية ؟! أنه فلسطيني الدم والهوية مثلهم ويقاتل على نفس دربهم ويضحي
بنفس طريقتهم !! فواجبٌ عليكم يا إعلامنا العفيف أن تقدم قدراً وفياً من الاهتمام
مع محمود , والوقوف معه لتصل رسالته للعالم الخارجي , وليقف الاحتلالُ على قدمٍ
واحدة ويرضخ أمام عنفوان الأسد محمود , ويحقق له أمل الحرية المنشود ..
محمود
.. تعجز الكلمات عن وصف أسطوريتك وتأبى الحروف التعبير عن عزيمتك .. أنت مفخرة
لفلسطين وشعبها .. ولأمة العرب وأبنائها .. لست أقل من الثائرين لأجل الحرية , فأنت
ثائر بجوعك وصبرك .. ثائر بثباتك وصمودك وتضحياتك ..
محمود
.. إن شيب فلسطين قبل شبابها يداً واحدة معك أيها الصقر .. فأنت صورة مضيئة لصمود
شعب يأبى الانكسار ولو هُدت عليه جبال الأرض وصخورها ..
عذرا
يا ميسي .. فمحمود تجاوزت مهاراته في الصمود مهاراتك .. وتجاوزت مراوغاته للاحتلال
مراوغاتك .. وتجاوز إبداعه في التحدي إبداعاتك .. ووقف وحده ليس ضد عشرة مدافعين
.. بل ضد كيان ودولة لها من القوة والجبروت ما لها .. يتحداها طلباً لهدف أسمى هو
أقل الحقوق للإنسان .. انه الحرية , فلك يا محمود ألف ألف تحية , وعذراً يا ميسي
.. فهو الأفضل في العالم ..
عظمة رفاتكم من عظمة جهادكم
بقلم / خليل نظير
اللوقا
يا شهداء الوطن .. يا
من ضحوا بأرواحهم وبحياتهم لا في الدنيا بل حتى في الكفن .. عظامكم شوك وحنظل في
حلق الأعداء .. رفاتكم قنابل ألهبت صدور الأوفياء .. عظماء أنتم بجهادكم .. عظماء
أنتم بنضالكم .. سطرتم حكاية شعب لم يسلم في حياه ولا في ممات من بطش السفهاء ..
أنتم أعلام في تاريخ
وطننا المسلوب .. أنتم جبال راسخة نغصت عيش الاحتلال المنكوب .. عظامكم خناجر في
قلوب من باع القضية .. وسلم للاحتلال القدس وحيفا ويافا وعكا والمجدل مع غزة
الأبية .. روائح عطركم تنادي الأبطال لتحرير قدسنا من الأنذال .. ونعوشكم الطاهرة تتلهف
لتحرير أسرانا من سجون الاحتلال .. وتصرخ أجسادكم ليعتصم أبناء شعبنا لنعيد للأمة
الآمال ..
نعدكم يا شهدائنا ..
بتحرير القدس والأقصى .. وبعودة المهجرين وبإخراج الأسرى .. فلن نسلم أبدا للقضية
.. ولن نرضى بالتأخر والدنية .. فعزيمتنا لا تقهر بالقنابل .. وإصرارنا لن تجد في
الكون له ماثل .. فأنا فلسطيني قلبي من صخر .. وروحي تتحدى الظلم والقهر ..
فارقدوا بسلام في جنانكم .. وامتشقوا المجد في نعيم ربكم .. يا أسياد الوطن يا
عظماء الأمة .. لكم منا ألف ألف تحية ..
فاز ريال مدريد !!
بقلم / خليل نظير اللوقا
لم
أكن أتخيلُ يوماً أن يكون انفلات شبابنا وانحرافِ أخلاقهم .. يجعلهم يكرهون
ويلعنون ويشتمون ويسبون , ليس فقط للاعبين أو لحكامٍ أو لمدربين .. بل طالَ الأمرُ
ليصل آباءً وأمهات ولم تسلم من الشتم حتى الأخوات !! كل هذا لأجل نادٍ أو فريق أو
من أجل بطولةٍ أو مباراة , ويا ليت الأمرُ يقف عند هذا الحد , فلو تابعت مباراةً
حاسمة كما التي شاهدناها بين البرسا ومدريد في كافتيريا أو كافي شوب , لتفاجأت
بكرسيٍ طائر يمر من فوق رأسك وأخر يدك الطاولة بالأرض , ويصلُ الأمر أحياناً
لعراكٍ بالأيدي والأجساد بين الكتيبتين العظمتين !! ليس هما سوى برشلونة وريال
مدريد ..
ففي
هذه المباراة الأخيرة أيقنت شيئاً وتنبهت لأمراً خطيراً !! هو حتماً بعيداً عن
تحليل نتيجة المباراة التافهة , ولكن ما أن صدع الحكم بصفارته فإذا بألعابٍ نارية
تُطلق وبصفارات تُسمع وأهازيجٌ وصراخٌ من هنا وهناك , تساءلت حينها بغرابة !! ماذا
حدث لشبابنا ؟ ألهذه الدرجة يصل حب كرة القدم ؟! , أنا لا أقفُ ضد التشجيع والإلهام
مع أي من الفرق ولكن لكل شيء حد .. وما رأيته تجاوز كل الحدود ..
فلو
أنك شاهدتهم وأنت لا تدرك سبب فرحتهم .. ستظن بأن هناك أمرٌ جلل , جعل الشبابَ
يستنفرون وبأصواتهم يصرخون ويهللون ويهتفون , وسيدور بمخيلتك أسئلةٌ وجيهة تراكمت
وتزاحمت طويلاً .. هل الأقصى تحرر ؟ هل الأسرى حرروا من قيدهم ؟ هل المشردين
والمنكوبين عادوا لديارهم ؟ هل أبناء شعبي تسامحوا وعلى الحب تصالحوا ؟ هل قضينا
على الأزمات وحُلت العراقيل والصعوبات ؟ هل أطعمنا الجوعى وروينا الظمأى ؟
والأسئلة كثيرة كثيرة تتخالط وتترابط وتتشابك .. ومن ثم ستتبخر وستذوب فجأةً عندما
تُدرك بأن ليس هناك أي منها قد تحقق , فتلك الصرخات من حناجر شبابنا هي موجهة
لكرستيانو لعله ينظر لسوء وضعنا !! وهذه التهاليل هي موجهة لمورينهو فربما يسعى
لتحرير أقصانا !! ورسالاتٌ من الطرف الآخر هي لميسي فربما يقنع أخوةً لينهوا
انقسامهم المخزي !! وأخرى لغوارديولا فلعله يبذل جهده ليعيد أسرانا !! ..
ولكن
أيضاً في هذا الموضع .. يجب طرح أسئلة لا يجيبها إلا المسؤولين , ما الأسباب التي
دفعت شبابنا للتعصب والحب الغبي ؟ أليس الجواب يكون بسبب فراغٍ في حياتهم .. وآلام
معصورة بأجواء معيشتهم ؟ أليس هذا بسبب بطالة متفشية وبسبب عدم وضوح مستقبلهم ؟ ..
إذن الأوضاع الحياتية لها دور كبير وعظيم في تفشي هذه الظاهرة الخبيثة ..
ولاستئصالها لابد من عملية جراحية معقدة يشارك فيها الصغير قبل الكبير لنصل للهدف
المنشود والأمل الموعود ..
قلمي
يخجل عن الكتابة والتعبير لوصف حال شبابنا المزري , الذي أصبح يتعصب لكرة قدم
بائسة لا تسمن ولا تغني من جوع , فقد نسي قضيته ونسي آلام شعبه ونسي أحزان أسرى
وآلام جرحى وأهات ثكلى فقدوا فلذات أكبادهم ..
إن
صرخات الشباب في تلك الليلة .. لم تكن لسببٍ وطني أو لحماس وتعصبٍ ديني !! إنما هي
تعبير استفزازي لمشاعر المراهقين أمثالهم , فقد فعلها معشوقهم أخيراً .. وفاز ريال
مدريد ..
مزرعتي الحزينة
بقلم / خليل نظير اللوقا
لم يجد الشبابُ الغزيين ملاذاً
لقضاء وقت فراغهم في بساتين أو حدائق أو أماكن عامة يقصدونها ليروحوا بها عن
أنفسهم وليبتعدوا قليلاً عن همومهم , فوجدوا على الانترنت سبيلاً يحقق لهم مبتغاهم
ويلبي لهم رغباتهم , وكان لموقع الفيس بوك نصيبُ الأسد باستحواذهِ على عقولِ
الشباب بما يتكدس به من محتوياتٍ ترفيهيةٍ جمة , فأصبح للشاب الغزي شخصيتين ..
الأولى هي أمراً واقعياً ملموساً وتحمل اسمه الحقيقي ولكنها مكبوتة النفس وضعيفة
الحس , والأخرى قد تكونُ تحمل اسمه الحقيقي أو اسماً رمزياً عكِف الشبابُ على
إبداعهِ وابتكاره , حتى يظهر للعالم الافتراضي شخصيةً أخرى تبدو سعيدة وهنيئة , لا
تشكو من تفككٍ أسري أو تقصيرٍ حكومي أو ظلمٍ وظيفي أو تشتتٍ تفكيري أو تكدسٍ علمي
وأضف عليهم تخبطٍ سياسي ..
ولعلَ من أهم ما خطف عقول وقلوب
الشباب بغزة هي لعبة " المزرعة السعيدة " , وهي عبارة عن تطبيق يتيحه
موقع فيس بوك تجعل من الشخص الممارس للعبة , ممتلكاً لأرضٍ وزرعٍ وحيوانات ,
يتنافس مع أصدقائه لتربيتها وتضخيمها , والأهمُ من ذلك كله هو أن تلك اللعبة يشترط
فيها الدخول يومياً والاهتمام بزراعتها وحصادها وإطعام حيواناتها !!
وأينما حللت وارتحلت في أزقة
القطاع الضيقة , لن تجد مسامرةً لشباب أو جلسةً لفتيان إلا وستسمع عن تلك اللعبة ,
فشابٌ يطلبُ من أصدقائه مبادلة بقرةٍ أو خروف , والآخرُ يطلبُ زراعة نباتٍ أو حصاد
ثمار أو توفيرٍ لسمادٍ أو لمال , ولكن الأمرُ الجلل هو أن مَزَارِعَ شباب القطاع
الوهمية أصبحت تعاني أمراً خطيراً , فهي مهددةٌ بالجفافِ والانقراض , ليس بسبب
انعدام السماد أو الأدوية أو نقصٍ للمالِ أو للذهب أو بسببِ فسادٍ متفشي في وزارة
الزراعة .. إنما بسبب الكهرباء !! فقد حطت هذه الأزمة المستمرة بظلالها على تلك
المَزارِع , ولم تسلم الخِراف ولا الأبقار ولا الزرع من معضلةٍ تفاقمت في الأيام
الأخيرة , حتى أصبحت أمراً لا يُطاق , فتفكيرُ مزارعينا الجُدد اليوم ينصبُ على
كيفية التكيف مع جدول الكهرباء الصارم , فيقضون انقطاعه في النوم العميق , حتى
يتفرغوا في وقتِ طُلوعِ شمس الكهرباء , ليمارسوا مهنتهم الشاقة وليعيدوا ترتيب
مزرعتهم وتحسين ظروف حيواناتهم .
فنسيَ الشبابُ كلياً ظروفِ الوطن
المعقدة ومآسيه , فقد نسوا انقساماً فلسطينياً طال .. ونسوا حصاراً خانقاً لا زال
.. ونسوا تعليمهم ودروسهم من أجل توفير الذهب للمزرعة والمال !!
وخِراف المزرعة وأبقارها تشكو قلة
الطعام والزاد , وحقول الشعير والقمح تحسد مزارع أخرى توفر فيها الماءُ والسماد ,
فيا عجباً لحيواناتٍ وهميةٍ ظلمت !! ولمزارعَ افتراضيةٍ أهملت !! والسبب هو نفسه
ما أثر على شبابٍ وعائلات ومصانعَ ومستشفيات ومدارسَ وجامعات وصحفاً وقنوات
وإذاعات , وكل ما كانت الكهرباء منارة له ومطلباً لتشغيله وتفعيله..
إن ما يحدثُ الآن في غزة من تداعياتٍ لأزمة الكهرباء , لم تسبب ضرراً
صحياً أو اقتصادياً أو تعليمياً فحسب , بل طالت العقولَ والألباب , وحطت رحالها
لتبسط في نفوس أعمدة الأمة الشباب , فأثرت عليهم تأثيراً قوياً خطيراً , ليس فقط
في واقعهم الحقيقي المنكوب , بل وصلت حتى لواقعهم الافتراضي الملعوب !! حتى
مزارعهم الوهمية باتت تعاني وتشتكي , فحُقاً لكم يا شبابَ غزة أن تبدلوا أسماء
ونعوتِ مزارعكم , وتطلقوا عليها اسم .. مزرعتي الحزينة !!
حماس .. لا مرحباً بكم !!
بقلم / خليل نظير اللوقا
مرحباً حماس .. بهذه العبارة
استقبل الشعب الفلسطيني حركة حماس , بعد أن نصَّبها لتكون خادمةً له لتديرُ شؤون
البلادِ والعباد , ومنذُ ذلك التاريخ والشعبُ يعاني الأمرين , من حصارٍ وإغلاق
وتضييق , شملَ كل احتياجات وأساسيات عيش المواطن , كالغذاءِ والدواء ومواد
العمرانِ والبناء , أو مواد خام تلزم لتشغيل آلاف العمال الذين أصبحوا رهينةً
للمساعدات والكابونات , بعد أن انقطعت بهم السبل بإغلاق مصانعهم بفعل هذا الحصار
الخارجي ..
ولكن .. هناك حصارٌ "
داخلي " تمارسه الحكومة في غزة , ضغطَ على المواطن الذي وصل لحد الانفجار ,
رفعت الضرائب وألغت تراخيص محلاتٍ تجارية , ليحصلوا على تراخيصٍ جديدة بأسعارٍ
أكبر , وارتفعت أسعار السلع الأساسية , حتى أصبح على المواطن في غزة عبئاً يسمى الحكومة
, فهو من يوفر لها أموالها وليس العكس !! الذي تعودنا عليه , وأمرٌ آخر دفعني
لكتابة هذه الكلمات والسطور .. هو ما حدث لمواطنٍ غزي بلا عملٍ أو مهنة " بكل
تأكيد رفض ذكر اسمه " , يعيشُ هذا المواطن على قطعةِ أرضٍ صغيرة , من الأراضي
التي يطلق عليها حكومية , ونحن في هذا العهد من يمتلك القوة .. ينهب الأرض بدون
وجه حق , ويبيعُ ويشتري ولا يُحاسب , إنما يحاسبُ المسكين الذي ذهب ضحيةً لهذه
الفئة " النصابة " , يقولُ المواطن : ليس عندي بيتاً يأويني وزوجتي
وأولادي , فاشتريت قطعة أرضٍ بمساعدة كثيرين , بثمنٍ بسيط من رجلٍ ادعى بأنه
يملكها بشكلٍ قانوني , فبنيت عليها " شبه بيت " , ليجمع أسرتي تحت سقفهِ
المتهالك , يقيني حراً لصيف ويسلمني من برودةِ الشتاء , ولكن .. ما فعلته حكومتي
!! أمر يفوقُ التخيلُ والجنون , فبدون سابقِ إنذار .. قام " جراف الحكومة
" بهدم بيتي وأقسمَ المواطن بأنه حتى لم يطلبوا منه أن يُخرجَ أبنائه ولا
أثاثه !! يضيفُ الرجل وقد اقتربتْ عيناه أن تدمع : هدم اليهودُ أعداء الله منزلي
وكنا نتلقى قبله إنذاراً أو تحذيراً , ولكن في عهد أبناء جلدتي وجدنا إحساساً
ضائعاً ودماً بارداً وحياءاً ميتاً .. هذه العبارات هي ما خرجتُ به من حديثي
البسيط مع الرجل , طلبت منه في نهاية الحديث أن يوجه رسالة للمسؤلين فأجاب : أشكو
حالي لربي وليس لغيره , فقد سئمتُ من ظلم العبادِ وأصحاب القرار , الذين تركوا
ناهبي الأرض الأقوياء ذوي الوجاهة والمال , وتفرغوا لمن ليس له ظهراً يسنده أو
وجاهة تحميه وتنفعه أمام سلطانهم الجائر ..
وهنا يجب أن نقفَ ونتساءل :
أين مؤسسات حماس ووزاراتها الاجتماعية لكي تتحرى عن سوء وضع هذه العائلة المنكوبة
وغيره كثيرٌ من الناس ؟ أين أمن حكومة حماس الذي يتربع في كل أنحاء غزة ويعرف كل
شاردةٍ وواردةٍ منها من هذه القصة ؟ أم أنها منشغلة باعتقالِ من عبر عن
رأيهِ على اليوتيوب أو الفيس بوك !!
هذه قصة من قصصٍ تعجُ بها غزة .. فقد سئم أهلها العيش , ورجعوا
ليغيروا مقولتهم التي منحوها لحماس وحكومتها , ليصبح لسان حال الكثير , حماس .. لا
مرحباً بكم ..
غــزة الأبـيـة
بقلم / خليل نظير اللوقا
غزةُ الأبية .. الصامدةُ
المرابطةُ المثابرة .. ما زالت عصيةً على الانكسار والخضوعِ لكلِ ما سوى الله عز
وجل , فأهلها جعلوا من الترابِ مفرشاً لمنامهم , ومن السماءِ ساتراً يأوي أجسادهم
, واستطعموا الشوك والحنظل , حتى ألفت قلوبهم قسوة الحياة ومرارة العيش , واعتادت
على البؤسِ ومرارة الكأس ولكن .. أبدا هم أناسٌ لا يعرفون طعماً لليأس ..
فإن كان الاحتلالُ قد تفنن في
حصارِ غزةَ وشعبها , فأهلُ غزة قد أبدعوا في صمودهم وتمسكهم , فكلُ يومٍ نسمع قصصٍ
تقشعر لها جلودنا وتدمع منها قلوبنا , لدرجة الوفاء والعطاء والبذل والسخاء التي
يقدمها أهلُ غزةَ , ليبقوا صامدين متمسكين بمبادئهم وقيمهم التي أصبحت راسخةً في
ألبابهم رسوخَ القمم في أعالي الجبال ..
فأهل غزة ضربوا أروع
الأمثالِ وسطروا أجملَ القصص التي تروي حكاية يدٍ تقاتلُ مخرزاً , وحجراً يقفُ
أمام قوةٍ عسكريةٍ هائلة لا حصر لها ولا عد , فعجباً لأمركم يا قوم !! إنكم حقاً
أهلاً للثناء .. ومفخرةً لنا ولكل العظماء ..
فحصاركم لم يشهد له التاريخُ
مثيل , ولم تسطر الكتبُ له شبيه , فغزة منطقةُ تعد الأكبرُ في العالم من درجةِ
الكثافة السكانية , يقطنها أكثرُ من مليون ونصفِ المليون شخص , وقفوا وحدهم ضد
سياسة التهوين والتجويع , وقفوا وحدهم ضد قصفٍ وضربٍ للقذائف والمدفعيات , وقفوا
وحدهم ضد توغلاتٍ واجتياحاتٍ وحروب , وما طلبوا العونَ من عبدٍ أو من سيد , ولا من
دولةٍ أو من رئيس , فالكلُ تخلى عنهم ونسى أمرهم , فلم يجدوا سبيلاً لمحنتهم إلا
من بابِ الله ربهم ..
فهم لا يملكون جيشاً ولا عتاداً
, ولا يملكون حساباتٍ ولا أموالاً , ولا يملكون سلطةً ولا سلطاناً , أنما يملكون
قلوباً من حديد , إن عقدت العزمَ على شيءٍ فعلته , وان أصرت على أمرٍ نفذته ,
فبتواصلهم وبحبهم وبودهم بينهم .. كسروا كل قواعد المنطقِ والعقل , فقد ظن البعضُ
بأنهم سيستسلموا وسيخضعوا للشروطِ وللأهواء , ولكنهم واللهِ هم من خضعوا لأهل غزة
المثابرين المرابطين ..
أريد أن أقول أن مقالي هذا ليسَ
تمجيداً لحزبٍ أو لتنظيم , أو ثناءً على جهةٍ بعينها , إنما هو لما رأتهُ عيني
ولما أبصرتهُ من صمودٍ إبداعي قدمه أهل غزةَ الشرفاء , فمهما سطرت أيدينا وكتبت
أقلامنا من كلماتٍ وعبارات لن نوفيكم حقكم , ولن نقدرَ على إعطائكم نصيبكم لجزءٍ
مما قدمتموه من تضحياتٍ وتضحيات في سبيلِ هذا الوطن ولأجلِ مبادئه السامية ..
فيا أهلَ غـزة الأبية .. صمودكم
مصدرٌ لإلهامنا .. وعطائكم جلالٌ لعزتنا .. وثباتكم صونٌ لكرامتنا .. ووفائكم عطرٌ
لعفتنا .. وعنادكم بالحق حياةٌ لأمتنا .. فسلام لكم يا أهل العطاء , وتحية إجلال
إليكم من كلِ الأوفياء ..
عِـيـدُ
وَطـنِـي
بقلم/ خليل نظير اللوقا
وطني لحُبكَ في العظامِ دبيبُ
وبك الأحبةُ والزمانُ يطيبُ
وقلوبُـنـا بكَ لنْ تفارقَ نبضها وحنينها أبــداً إلـيـكَ عجيبُ ( أحمد الصالح )
وقلوبُـنـا بكَ لنْ تفارقَ نبضها وحنينها أبــداً إلـيـكَ عجيبُ ( أحمد الصالح )
وطني .. هي كلمةٌ كثيرٌ ما
رددتها ألسنتنا ونطقت بها شفاهنا , ولكن لم ندرك أبدا قيمة تلك الحروف البسيطة
القليلة , التي حضنت بين أزقتها معانٍ كثيرة وتعابيرٍ جميلة , فما أن تسمع أذاننا
كلمة وطن .. يعودُ عقلنا لذكريات وقصص أجدادنا , ليسرحَ في خيال وطننا الذي حفظته
ألبابنا ولم تره أعيننا وأبصارنا , فقلوبنا تَحِنُ لوطننا المسلوب ولقرانا
وبلداتنا الأم في هذا الوطن المحبوب ..
وأحلى ما في الدنيا .. هو أن
تعيشَ آمنا مطمئناً بين جنابات وطنك , لا تسمع أزيزٌ لرصاص , أو هديرٌ لدبابات ,
أو إنفجاراتٌ لقنابل أو قصفٍ لطائرات , بل الأجملُ والأروع .. أن تأخذكَ نفسك
لتجول بحريةٍ وراحة بين ربوع وطنك الغالي , ترى سحرهُ وجماله وأناقتهُ وروعه بناءه
, وأن تُعامَلَ من أبناء شعبك ومجتمعك بالطيبةِ والحنان والرفقِ والإحسان , فلا ترى
بغضاً من أحد أو حسداً من شخص , لأجلِ حزبٍ أو منصب أو وجاهةٍ أو مال , فكلنا على
حد السيفِ عند أعدائنا سواء , لا يفرقون بيننا وبين سياساتنا وخلافاتنا , فحريٌ
بنا أن نكون متحابينَ مترابطين وأخوةً متآلفين , حتى يقضي كلٌ منا حياته مستمتعاً
بهواءٍ طلقٍ نظيف , لا تعكرهُ سياساتٌ أو تناقضات , وأن نسعى جميعاً لهدفٍ أسمى
واحد هو الوطن ..
وتحِلُ علينا في هذه الأيام
ذكرى يوم وطننا المشهود , هذا اليوم الذي هزَّ به الشهيد أبا عمار بصوته وصرخاته
أركان العالم , معلناً قيام الدولةِ الفلسطينية , فأسس أركان الوطن وجعلَ من فلسطينَ
الأبية قضيةً دوليةً عالمية , تتفاعل معها الشعوب وتتهادى إليها الأمم ..
ورحلَ عنا أبا عمار وغيره من
القياداتِ والثوار , وورثنا منهم هذا الإرث العظيم , ولكن .. ليتنا صُنَّا عهدنا
معه أو مع قياداتنا الشهداء , فأخذنا نُبدلَ ونغير ونقسمَ ونوزع , وأدرنا ظهرنا
لقضيتنا ورفعنا رأسنا عن هدفنا , فعيبٌ علينا أن تمضيَ ذكرياتٌ وذكريات لأبطالنا
الأفذاذ , الذين رسموا طريقَ الوطنِ بجهادهم وأناروه بشعلهٍ من دمائهم , وتمرُ
أيامٌ مجيدة في تاريخ فلسطيننا الحبيبة , سيتغنى بها أجيالنا وأحفادنا , ونحن ما
زلنا نرمي أنفسنا برماح الحزبيةِ والمنصب , وصرنا أضحوكةً بين شعوبِ العالم , بلْ
أصبحنا كالأنعامِ بل أضلُ سبيلا ..
سيدي القارئ .. لا تنزعج من
قوة النقدِ والتعبير , فقد سئمنا من الانقسام والتضليل , ونعتصرُ ألماً من شدة
قسوة الفراقِ والبعدِ والطلاق بين أبناء الدمِ الواحد , فكفى ما في هذا الشعبِ
المسكين من بلاءٍ ومن ظلمٍ وعناء , فكل يومٍ نسمع عن عقدٍ للصلح والاتفاق , ولكن
يبدو الأمر بعينه الرياءُ والنفاق ..
وكم كنتُ أتمنى أن يأتيَ عيدُ
وطني .. وقد تصافحتْ الأيادي وتعانقتْ الأجساد بين أخوةِ العروبةِ والدينِ والوطنِ
والدم , وتناسى قياداتنا خلافاتهم وتناقضاتهم , فعيد وطننا الحقيقي .. هو يومُ
تصاُلحنا ويومُ تسامحنا وعن البُغض بُعدنا , وعيدنا .. هو يومُ إنهاءِ خلافاتنا
واتفاقنا على مبادئ شعبنا , وعيدنا هو يومُ انتصارنا للوطن وعلى العدو تحالفنا ,
فحقاً .. ما أجملهُ من عيدٍ لو كانَ يا وطني !!
الشعب يريد إسقاط
الرئيس !!
بقلم/ خليل نظير اللوقا
منذ أن بدأت الثورة المباركة في
أرض الكنانة مِصر , تفننَ الجاهلون والمتربصون في إخراج وسائل وطرق تحرك الثورة عن
مطالبها وتُثنيها عن خيارها , ولتشوه صورة الثائرين من الشعب ضد نظامهم الطاغي ,
فاستخدموا شتى الوسائل ضد المتظاهرين , واستغلوا كل ما يملكونه من سلطةٍ ومال
ووجاهةٍ وسلطان , وسخروا إعلامهم القوي لخدمةِ أغراضهم الخبيثة , ولكن طرقهم
وإبداعهم العفن !! لم يأتي بالفائدةِ المرجوة .. ونجحت الثورة وأسقطت رئيسهم وأنهت
على مخططاتهم ..
وبعد هذا النجاح الباهر الذي
توصلت إليه الثورة المصرية , عادت الفئة الملعونة لتمارس حقدها وحسدها , فتارةً
تنشرُ الذعر بين المواطنين الأمناء , عبر فئةٍ ضالة يطلق عليهم اسم "
البلطجية " ليبينوا للناس كم من الأمن والأمان والطمأنينة والاستقرار الذي
كانوا يعيشونه في عهد " مُبارك " !! , وتارةً أخرى يثيرون الفتنة بين
أبناء الشعب والدم الواحد بحرقهم الكنائس و بالاعتداء على المسيحيين المسالمين من
دون جرمٍ أو ذنب , ولكن .. لا تستغربوا لو قلتُ لكم أن هذه الفئة التي ذكرت .. هي
التي تحكمكم يا شعب مصر !! فأنتم صنعتم تاريخاً بل مجداً ستحتفظ به كتب التاريخ
بين سطورها , بعدما أسقطتم الطاغية الأكبر في الوطن العربي , ولكنكم لم تُسقطوا
حاشيته وزبانيته .. فالنظام الفاسد الذي أسقطتم رئيسه ما زال يحكم بلادكم ..
وسيادة " المشير طنطاوي " لا يختلف عن " مُبارك " إلا بأنه
غيَّرَ الاسم وبدَّلَ المنصب , فهو الآن يدير أمرَ البلاد وشئون العباد تحت مسمى
المجلس العسكري الأعلى , وهذا " المشير" كان اليد اليمنى لمُبارك في
القضايا العسكرية والسيادية , ولن ننسى شهادته المشكوكة التي أدلى بها أمام قاضي
الرئيس المخلوع , فهو ما زال يحنُ للحبيبِ الأولِ " مُبارك " ..
وهذا ما قاله رئيس المُوساد
الإسرائيلي بتعليقه على الثورات العربية , حينما سُئل عن الوضع القادم في ظِل
" الربيع العربي" حسب وصف السائل , فقال : لا يوجد ثورات في العالم
العربي , إنما هناك تغيير حُكام , والفرق كبير جداً بين الثورة وتغيير الحاكم ..
هذا كلام الإسرائيليين .. الذين يرتعدون خوفاً من عودة مِصر وشعبها إلي الواجهة من
جديد بعد انهيار أكبر عملائهم وحاميهم في المنطقة ..
فيا شعبَ مِصر العظيم .. أفيقوا
من سباتكم وأكملوا ثورتكم ومشوار حريتكم , وأعيدوا كامل كرامة مِصر المفقودة , ولا
تجعلوا صمودكم ودماء شهدائكم تذهب سُدى , فالأمرُ جدُ خطير لأن هذا الطابور الخامس
الذي يُظهرُ الابتسامة ويُخفي الحقدَ والعمالة , لا يمكن أن يقدم محاكمةً عادلة
لمن نصبهم في مكانتهم وأسدلَ الستار على جرائمهم , وإذا أصمّْتمْ آذانكم وأغلقتم
أفواهكم .. فالأجدرُ بكم أن غيَّرتم شعاركم في انتفاضتكم وناضلتم بِشعار "
الشعب يريد إسقاط الرئيس " ..
آسف يا بشَّار !!
بقلم/ خليل نظير اللوقا
بشَّار الأسد .. هذا الرئيس
العربي المُبجل , الذي وقف وحيداً ضد مشاريع صهيونية وأمريكية في المنطقة العربية
, رغم ما يُقال عنه من ظلمٍ وكبتٍ للأحزاب والشخصيات الإسلامية في سوريا , لكن
أعتبره رئيساً يختلف نسبياً عن بقية الرُؤساء العرب , حتى أن هناك بعض الأصدقاء
وقفوا ضد الثورة الشعبية السورية , وأيدوا الأسد بشَّار .. باعتباره منبراً حامياً
للمقاومة الفلسطينية ورموزها ..
والرئيس بشَّار .. له مواقف مشرفة
على الساحة العربية والدُولية , فهو من رفض التدخل الخارجي في حرب العراق والكويت
, وكذلك كان جداراً منيعاً ضد الحرب على بلاد الرافدين , في الوقت الذي عَبرتْ فيه
أساطيل الولايات المتحدة وحلفائها قناة السويس المصرية , وتمركزت على الشواطئ
العربية .. وهو من فتح حدوده للاجئين الفلسطينيين بعد غزو العراق , فجعل أرض سوريا
لهم فراش وسماءها لهم غطاء , ووفر لهم قوت يومهم وأثلج صدورهم , ليخفف عنهم ما هم
فيه من بلاء ..
وظل بشَّار دائماً .. داعماً
للمقاومة الفلسطينية الباسلة وقياداتها , فأدخلهم بلده وأيدهم , وأيضاً كان يقف
جنباً إلي جنب مع المقاومـة اللبنانية المتمثلة بحـزب الله , وأعطى لهم دعـماً
سياسياً وعسكرياً ومعنوياً , لذلك بشَّار .. لم يكن أسـداً بالاسم بل كان أسـداً
بالفعل .. وأثبت أنه رقماً صعباً من بين الهوامش .. رؤساء الوطن العربي ..
وحينما بدأت الثورة السورية قبل
أكثر من ستة أشهر من الآن , كانت مطالبها الأولى الإصلاحات السياسية وتنفيذ
القانون , وإطلاق سراح المظلومين من السجون , والعمل على إعادة الحقوق المسلوبة ,
وإرجاع أموال الشعب المنهوبة .. ولكن هذه المطالب السلمية لم تَلقى أي صدى من قِبل
الحكومة السورية , وتعاملت معها بقسوةٍ وشدة , فقتلتْ واختطفتْ وسجنتْ وعذبتْ ...
ووصل بها الأمرُ لتجيش حملاتٍ عسكرية ضد المدن السورية المعارضة , ليرتفع بعدها
نسق الانتفاضة الشعبية لتطالب برحيل الأسد ونظامه , وترك السلطة لمن يختاره الشعب
ليحمي كرامته ويصون حُرمته ..
وبعد هذه الأفعال والجرائم
المهُولة من نظام الأسد .. اُنتُزع مني موقفي تجاه هذا الشخص المُقنع , وظهرت
حقيقة شخصيته , التي لا تريد خيراً للشعبِ ولا للأمة , فلو كان جُلَّ همه هو قيادة
سوريا للأفضل .. فالأجدر به أن يترك الحُكم , لأن الشعب الذي تحكمه يا سيد بشَّار
.. سئِم منك ومن دكتاتوريتك ..
أني آسفٌ يا بشَّار .. فقد تغير
موقفي وتبدل مبدأي واختلفت نظرتي .. وتحولت صُورتك في ذهني .. من أسدٍ جَسور إلى
أسدٍ مسعور , لا يهمه وطنه وشعبه .. وهمه الأول البقاء على سدة الحكم الفانية ..
وصدق فيك قول الشاعر " بن
حطان " للظالم الحَجَّاج :
أســـدٌ عليَ وفي الحرُوبِ
نعامــةٌ ربداءُ تَجفلُ من صَفير الصَافرِ
هلا بَرزتَ إلى غزالـةٍ في
الوَغى بل كان قلبُك في جناحي طائــرِ
ماذا
بعد الصفقة ؟؟
بقلم / خليل نظير اللوقا
انتهت
قضية " شاليط " المعقدة , بعد أن استمرت أكثرَ من خمسِ سنوات , والتي تُوجت
بنهايةٍ جميلةٍ خالدة , أُعيدت فيها آلافُ البسماتِ والضحكات على شفاه الكبارِ
والصغار , وصنعَ الخاطفينَ الأبطال مجداً مشرفاً لمقاومتنا الباسلة , التي أسقطت
كل من رفع شعار المفاوضات سبيلاً لتحريرِ الأسرى والأسيرات ..
ولكن
في خِضم فرحتنا هذه .. ينبغي لنا أن لا ننسى القابعين خلف القضبان , الذين لم يَكتب
لهم قَدَرَهُمْ بأن يكونوا ضمن هذه الصفقة , ففرحتنا الكاملة هي بإخلاء سجون
الاحتلال من مجاهدينا ومناضلينا ..
وفي
ظل هذا العُرس الوطني .. لفتَ انتباهي أمرٌ مُثير , فما أجملُ المنظر الذي شاهدت
!! وما أحلى المشهد الذي رأيت !! في فرحة أهالي وعوائل الأسرى المُفرجُ عنهم ,
رأيتُ تآلفاَ ومحبةَ وسعادةَ ومسرة , فالعلمُ الأخضرُ يحتضن بين جانبيه شقيقهُ
الأصفر , فهذه فرحةٌ لشعبنا المبارك من كل أطيافه وألوانه ..
وأعجبني
ما قامت به حركةُ حماس في مهرجانها المسائي بغزة احتفاءً بالأسرى المُسرحين ,
بدعوتها للناطق باسم حركة فتح عبد الله أبو سمهدانة لإلقاءِ خطاب باسم حركته ,
وكذلك في رام الله كان الدكتور عزيز دويك جنباً إلي جنب مع الرئيس محمود عباس ,
وأشاد السيد الرئيس بالصفقة وأكد أن الأعين الوطنية الآن تنصبُ اتجاه المصالحة
وإنهاء أزمة الانقسام ..
فهذه
اللَّفتاتُ الطيبة هي دليلُ حسن نيةٍ عند الطرفين , لذلك ينبغي لسمو قياداتنا الأحرار
.. أن يأخذوا الأسرى الذين قبلوهم ورحبوا بهم بصدورهم الواسعة مثالاً لهم , فهؤلاء
الأبطال كانوا في سجونهم لا يعرفون التحزبَ ولا التعصب , فأكفهم واحدة ضد سجانِهم
المُغتصب , الذي لا يُميزُ بين حَماسيٍ أو فتحاوي , فحربه هي على كل من وضع
الجنسية الفلسطينية على جبينه , ورفع المقاومة شعاراً لقضيته ولافتةً لمسيرته ..
ففرحتنا
اليوم .. يجب أن تتمُ بأجواء تسودها المحبةُ والإخوة , بعيداً عن الكُرهِ والضغينة
, وأن يأخذَ المسئولون عن هذا الشعب موقفاً جاداً ليعيدوا له الألفةَ والعِصمة ,
وحريٌ بهم أن يتناسوا خلافاتهم السياسية لأجلِ هذا المواطن المسكين , الذي يدفعُ
ثمن هذا البُعد والطلاق ..
إذن
فالقضيةُ التي يجب أن نحاربُ عليها الآن نحن كمواطنون , هي إرسال رسالةً قوية
لقيادات شعبنا في الضفةِ وغزة , بأن يُفعِلوا المصالحة المبرومة على الورق ,
ويفشوا المحبةً والمسامحة بين الحركتين الأكبرُ على أرضنا الفلسطينية , ونأملُ في
الوقت القريب أن تحتفل حركتي فتح وحماس بالأسرى المحررين الأبطال , ويكونُ السيد
رئيس الوزراء إسماعيل هنية جنباً إلي جنب مع الرئيس أبو مازن في غزةَ هاشم ,
فأملنا باللهِ ثم بكم كبير ..
لماذا
يا حماس ؟؟
بقلم / خليل نظير اللوقا
منذُ
أن اختطفت المقاومة الفلسطينية بقيادة كتائب القسام الجندي الإسرائيلي "
جلعاد شاليط " في عملية الوهم المتبدد , خرج علينا مسئولو حماس وقياداتها
بتصريحات المُنتصر التي زفتْ التفاؤلَ لقلوبِ أهالي الأسرى وعوائلهم , وأكدوا
مراراً وتكراراً على أن هذه العملية بالإضافة للمسجونين ذوي الأحكام العالية ,
سيكونُ نِتاجها عُمداء وقيادات الأسرى من كل الأطيافِ والألوان ..
وذاقَ
الشعبُ الفلسطيني الأمرَّين بعد هذه العملية البطلة , من حصارٍ وإغلاق وقتلٍ وقصفٍ
إسرائيلي وحشي , وصمد الشعبُ وصمدت حماس وهي تدافع عن مَغنمها " شاليط "
الذي سَكنَ في أوتارِ غزة الصغيرة , ولم يستطع الكيان المغتصب بشتى قدراته
العسكرية والمخابرتية وأجهزته المتطورة أن يعرف مكان ابنه المخطوف , وقاد حرباً
ضروساً ضد غزةَ وساكنيها الذين أرقوا مضاجع العدو بجبروتهم وصمودهم ..
وبعد
أكثرَ من خمسٍ سنوات من المفاوضات والمد والجزر بين حماس وإسرائيل بوساطةٍ عربيةٍ
ودولية لأجل إتمام الصفقة , جاء اليومُ الذي نسمعُ فيه خبرَ توقيع الطرفين المرسوم
النهائي لإطلاق سراح " شاليط " , وانطلقت المسيرات والمسرات في شوارع
غزة وضواحيها ابتهاجاً بالخبر السعيد , وأطلقوا النيران وتبادلوا التهاني فرحاً
وسروراً بالصفقة الكبيرة !!
وعجبتُ
عندما علمتُ أن عدد الأسرى الذين سيطلق سراحهم مقابل الجندي " شاليط " هو
ألفٌ وسبعةٌ وعشرون فقط , وكانت حماس قد وعدتْ في البداية أنها لن تتنازل عن
مطلبها بألفٍ وخمسمائة أسير , ولكنْ .. توقفتُ لبرهةٍ حينما تذكرتُ أنه سيكون من
ضمن الأسرى المسرحين مروان البرغوثي وعبد الله البرغوثي وأحمد سعدات وإبراهيم حامد
وغيرهم من القيادات , ولكن حدثت لي الصدمة المروعة والمصيبة الفاجعة عندما أيقنتُ
أن تلك الأسماء اللامعة ليست ضمن الصفقة البارعة !! وأخذتُ أقلبُ صفحات الأخبار
والمواقع المختلفة لأجدَ غير الذي وجدتْ , ولكن للأسف كان هذا هو الخبرُ اليقين ..
يا
الهي .. صمدنا أكثرَ من خمسِ سنوات نضارعُ اليهود حتى يرضخوا لشروطنا , وفي
النهاية استسلمنا وخضعنا لمطالبهم وشروطهم , فما الفائدةُ إذن من الصمود والعطاء
والبذل والسخاء ؟ .. ويقولون : أن إسرائيل لن ترضى بالإفراجِ عن قيادات الصف الأول
التي درجتْ حمـاسُ أسماءهم على رأس قائمة الصفقة , هذا ليس عذراً أو برهاناً حتى نصبح
نحنُ الطرفَ الأضعفَ في القضية بعدما كنا الأقوياء وأصحاب الكلمة الأولى على من
يفاوضنا على جنديه المخطوف ..
أنا
هنا لا أقللُ من قيمة الصفقة .. ولكن يفترضُ بحماس أن تكون أكثرَ صلابةً وصبراً
حتى تؤتي هذه العملية ثمارها وتحصد زرعها وفيراً وكافياً , وأن يكون بعض القادة
عند كلمتهم بعدما وعدوا وأخلفوا وعدهم ..
مسيرة
ثورة
انهيار
جدار الصمت
بقلم/ خليل نظير اللوقا
إن
ما تمرُ به المنطقة العربية في هذه الأيام , لأمرٌ يُشعرك بالحسرةِ والألم مرة .. وبالفخرِ
والاعتزاز مرةً أخرى , فالحسرةُ والألم .. هي على الحال التي وصل إليها حُكامنا من
فسادٍ وإفسادٌ في الأرض , فقد أفشوا الظلم والفقر .. والبلاء والغلاء , وأنشئوا
سجوناً ومعتقلاتٍ لا للظالمين ولا لسارقي أموال الشعب .. إنما أنشئوها للمناضلين والشرفاء
وكل من نادى بكلمة إصلاح ٍ لنظام الحكم ..
أما
الفخرُ والاعتزاز .. فهو برؤيتك الشعوب تُضحي من أجل حريتها من طغاةٍ ظلموها سنواتٍ
وسنوات , بعدما يئسوا من العيش السقيم تحت مسميات الديمقراطية والحرية , التي
تكدست بها دساتير البلاد , وخلت من التطبيق على العباد .. فهذه الثورات المشرفة هي
انفجارٌ طبيعيٌ لبركان ظل صامتاً طوال سنوات حُكمهم العجاف , إلى أن حانت لحظة ُ
الانفجار ..
فقد
بدأت حمم البركان بالظهور من تونس الخضراء , بإقدام الشاب " مُحمد البوعزيزي
" على إحراق نفسه , بعد أن سئم من حياة الظلمِ والكبت فاختار نهاية ً أليمة
لحياته , لكنها كانت خيراً على شعبه بل على أمته , فالشرارة التي أشعلت جسد "
مُحمد " أشعلت معها قلوب التونسيين , فثار الشعبُ ليقضي على ظلمٍ وفساد دام
أكثر من ثلاثةٍ وعشرين عاماً , ذاق فيها الشعب التونسي أشد الويلات من " بن
علي " وزبانيته , وتحققت أمنية " أحمد الحفناوي " الذي عاش سنوات حُكم
" بن علي " كلها .. فكان متعطشاً لرؤية هذا الظالم هارباً ومكبلا , ولما
رأى أمنيته تتحقق , خرج بعدها ليقول : هرمنا .. لأجل هذه اللحظة التاريخية ..
وبعد
عشرة أيامٍ فقط انتقلت شرارة الثورة من تونس لأرض الكنانة مِصر , فهناك فسادٌ وظلم
وحياة لا تليق ببني البشر عاشها المصريون طوال ثلاثين عاماً , سمعوا خلالها خطاباتٍ
وتصريحات تعِدُ بالإصلاح والتغيير , نعم .. فقد غير " مبارك " الكثير في
مصر وشعبها !! فشعب مصر هو من أكثر شعوب العالم تدخيناً .. وشعب مصر هو من أكثر
شعوب العالم العربي ارتفاعاً في الأمية .. ومصر ذات المساحة التي تتجاوز المليون
كم مربع تعاني من نقص في الدقيق والمواد التموينية , وفرض " مبارك " على
مصر اتفاقياتٍ مذلة مع الغرب وإسرائيل , فيبيع الغاز إليهم بثمن ٍ بخس أقل من ربع
ثمنه الحقيقي , وهناك قرى وأحياءٌ مجهولة في مصر .. لا تعرف غير الحطب موقدا
والورق مشعلا ..
ولما
ثار الشعب .. لم يستح ِ مبارك أن يخرج في اليوم التالي ليقول : لقد أقلتُ الحكومة
وأمرتُ بتشكيل حكومةٍ جديدة , مستخفا ً بعقول المصريين .. ولم يعلم بأن الشعب أعلنها من قلب التحرير ,
بأنه لن يعود إلا وقد أنهى الظلام وأسقط النظام ..
وشعبُ
مِصر ضرب مثالا ً في التضحية والفداء من أجل الحرية , فصمد تحت القمع والبلطجة قرابة
الشهرين , وسقط ثمناً للعيش الكريم أكثرُ
من خمسمائة شهيد , وآلاف الجرحى والمصابين , حتى استسلم مبارك لصرخات شعبه وانتهى
حلمه بتوريث الحُكم لأبنه , وترك السلطة لمن يختاره الشعب ليقود مصالحه , ويعيد لمِصر
مكانتها وكنانتها ..
وفي
ليبيا .. أبت كلماتي أن تصف أمر " القذافي " العجيب , فقد حكم الشعب
الليبي أربعين عاماً .. ويُقتل ويُذبح أبناء جلدته ليمدد حكمه أياماً معدودة ,
ويخرج لهم بخطاباتٍ وكلماتٍ باهتة .. حذفها التاريخ من قاموس اللغة , لا تفهم منها
إلا تكبراً واستكباراً وتعالياً وجنونُ عظمةٍ في غير محلها ..
وما
زال الليبيون يقاتلون لأجل حريتهم من هذا الدكتاتور الذي يأبى الرحيل ويقول : أنا لستُ
رئيساً بل قائد ثورة !! فلو كنت ثورياً كما تقول .. فلماذا لا تثور على الظلم
والفساد المتفشي في جماهيريتك المزعومة ؟ لماذا لا تثورُ على الفقر المدقع الذي
يعيشه الليبيون رغم الثروات الهائلة التي تملكها الأرض الليبية ؟ لماذا لا تثورُ
على الكتائب الأمنية التي تقتل وتُعذبُ أبناء شعبك ليل نهار ؟ .. وتصف نفسك
بألقابٍ ونسبٍ زائفة فتارةً ملك ملوك أفريقيا وأخرى سيداً لحكام العرب .. عجباً
لأمرك !!
وامتد
لهيب الثورة لليمن وسوريا .. فدمشق التي عهدناها رمزاً للعدل والإحسان والخلافة
الإسلامية , أصبحت تتخبط بظلم أبناء الأسد وحاشيته , فحزب البعث الاشتراكي الذي
يحكم أم بلاد الشام منذ ثمانية وأربعين عاماً وتوارثت عليها الأسماء , حتى وصلت
لـ" بشار" الذي خرج وقد تغير وتبدل بعد أن ثار عليه شعبه .. !! فقد حلق "
الرئيس بشار" شاربه ..
ألهذا
ثار الشعبُ عليك يا بشار ؟! هل نسيت السجناء المهمشين بلا حُكمٍ أو تُهم في زنازين
الأجهزة الأمنية التابعة لك ؟ هل نسيت كبت الحرية والدكتاتورية التي تحكم بها منذ
أن ترك أبوك لك منصبك السلطوي ؟ عذراً .. فنحن في زمن ٍ انعدم فيه الحياء ..
ولم
يكتفِ " بشار " بهذا ..! بل سلط كل قوته وجبروته ضد الثائرين من أبناء
شعبه , فقتل من قتل وعذب من عذب , حتى براءة الأطفال لم تسلم من أنياب هذا الأسد
المسعور , ولعلكم تدركون ما حدث للطفلين الصديقين " حمزة الخطيب " و
" ثامر الشرعي " , اللذين ذاقا مرارة العذاب ثمناً لطلبهم للعدالة
والحرية وتأمين مستقبلٍ أفضل لحياتهم المكدسة بظلم القريب قبل البعيد ..
وفي
اليمن .. الأمرُ أخطرُ بكثير , فهذا الشعبُ المسلح من كبيره لصغيره أبى أن يعود عن
مطلبه بتنحي رئيسه " صالح " الذي يتربع على كرسي الحكم منذ أكثر من
ثلاثةِ عقود , ففي عهد هذا الرجل انتشر الجهل والتخلف , والقبلية والتبعية والفقر
والبطالة ..
وما
زال الشعبُ اليمني مُصراً على تغييره وعدم عودته للحكم مجدداً , بعد أن خرج من
صنعاء مصاباً بنيران حربٍ أهلية أراد إشعالها , لكن الله رد مكره إلى نحره فكانت
إصابته خيراً لليمن وشعبها ..
وفي
نهاية مقالي هذا أقول : لقد دخلت الأمة ُ مرحلة ً جديدة من مراحل الصراع مع حكامها
, الذين سينفرهم التاريخ لأقبح صفحاته , وسيذكرهم بإفسادهم وطغيانهم وظلمهم وقوتهم
التي لا تظهرُ إلا على من قاوم وجاهد لأجل الإصلاح والتغيير ..
أما
جدارُ الصمت والذل والهوان .. فقد انكسر وتهاوى أمام صلابة وعنفوان شبابنا العربي
, الذي فهم أخيراً قول الشاعر :
إذا الشعب يوماً أراد
الحياة فلابد أن يستجيب القدر
ولابـد للـيـل
أن يـنـجــلـــي ولابد للـقـيـد أن
ينكـسـر
لا
تحاكموا مُبارك !!
بقلم/ خليل نظير اللوقا
بدماء
الشهداء وأنينُ المصابين .. طوى كتاب الثورة المصرية صفحاته , وأنهى فقراته
وحلقاته .. بعد أن امتدت أكثر من ستين يوماً
, فأولى الفقرات كانت تظاهراً وصراخاً .. ثم تصاعدت لقتلى وشهداء وتشييعاً
ونحيباً .. ثم امتدت لإعتصاماتٍ ومسيراتٍ مليونية , مع قمعٍ وكبتٍ بشتى وسائل
الردع التي يمتلكها النظام المصري , فقتلَ وسجنَ وعذبْ .. بل أرسلَ بلطجية على
الجمال والأحصنة .. وكأننا في عهد الأوسِ والخزرج .. !! وظلت وبقيت الأحداثُ سجالاً
بين الظالمِ والمظلوم , حتى ابتسمت النهاية .. وظهرت فرحة الرواية .. فالظالمُ
استسلم وخضع , ولجبروت شعبه المُستأسدِ ركع .. ودخل وأعوانه السجن لينتظروا محاكمةً
عادلة , تُنصفَ مظلومين ظلموهم .. وتعيدُ حقوقاً لمسلوبين سلبوهم ..
وأخيراً
.. أُعلن عن اليوم الذي سيظهرُ فيه " الرئيس مُبارك " خلف قضبان القفص
الحديدي .. وأحمدُ الله أني عشتُ لأرى هذا اليومَ السعيد .. فما أن وقعتْ عيني على
وجههُ البالي وجسده الخاوي , ويتقدمه أبناؤه وعلامات البؤس والضعف تغطي ملامحَ
وجوههم .. استرجعت ذاكرتي الرئيس الشهيد " صدام حسين " , ولكن شتان بين
الاسمين , فالأول يُحاكم لظلمه وفساده المتفشي , وأبناء شعبه هم من يحاكمونه بعد
أن ثاروا عليه وأسقطوه .. ولكن الثاني .. فقد عاش أسداً وظلَّ كذلك إلى أن قتله
مرتزقة الولايات المتحدة وأعوانها الوطنيين !!
وأعجبُ
من كثيرين .. الذين تدبُ بقلوبهم بعضاً من الرأفةِ والشفقة على مُبارك !! فمنهم من
يقول : ارحموه فنحن في شهر الرحمة , وآخر يقول : انه مريض حرام !! , يا هذا ..
لماذا لم تشفق على شعبِ مِصر الذي ذاق الويلات من أجهزة نظام مُبارك الطاغي ؟
لماذا لا تشفقُ وتترحم على مظلومين قُتلوا وعُذبوا بسجون أمن الدولة وغُيبوا وراء
الشمس , حتى لا يُعرف لهم أهلٌ أو نسب ؟ لماذا لا تأخذك الرأفة بقلوبِ أمهاتٍ فقدن
فلذات أكبادهن لأجل الثورة المباركة , إما قتلاً أو دهساً أو تعذيباً ؟ .. أرجوك
وأنصحك أن تصمت يا عزيزي .. فأنت تستعملُ جزءاً لطيفاً من قلبك في غير موضعه
الحقيقي ..
وفور
سماعه للتهم المُوجهةِ إليه أنكرها مُبارك مباشرةً .. وهذا أمرٌ طبيعي فهو لا يملكُ
غير الإنكارِ مُعِيناً في حالته الميئوسة , لكن المحاكمة ما زالت مستمرة , وستثبتُ
الأيام الظلم والظلام الدامس الذي عاشه المصريون لأكثر من ثلاثين عاماً , وسيخرجُ
الحُكم العادل .. ليكون عبرةً لغيره ممن تتربص بهم لهيب الثورات المشرفة وعواصف
التغيير الجارفة ..
لقد
تحقق حلمي الصغير .. وشكرتُ ربّي الذي صدق وعده على الظالمين .. وتذكرتُ قولاً لشاعرِ أم كلثوم .." عبد المنعم السباعي
" الذي كتب في أغنيتهُ الخالدة :
دي حكمة الله في آية لكل ظالــم نهايــة
لا
تقولوا عنهم بشر !!
بقلم/ خليل نظير اللوقا
إن
الحرية أسمى غايات الإنسان , فمنذ أن خلق اللهُ الطبيعة وأوجد البشرية .. لم يميزهم
أسيادا ً أو عبيدا ً, أو حاكما ً ومحكوما ً, ولكن الإنسان بظلمه استعبد الخلائق ..
فسيطر القوي على الضعيف والغنيُ على الفقير , فأصبحت الدنيا حلبة ً للصراع بين فئةٍ
ابتلاها اللهُ بضعفٍ وفقرٍ وجهل , وأخرى ابتليت باختبار ٍ من الله فمنحها القوة
والمال والسلطان , ليرى ماذا سيفعلون وكيف سيحكمون ..؟
والبشر
عامة ً بطبيعتهم .. يُأمِرون عليهم شخصاً يوجههم ويقودهم في حياتهم , فهو يعتبر
حاكماً وممثلاً لشخصياتهم , وسيبقى كذلك طالما حكم وعدل , وأنصف المظلومين .. وأعاد
الرشد للظالمين ..
ولكن
إن خرج الحاكم عن عدله وفسدت سلطته وإمرته , فلابد للشعب أن يبعده عن هذا المنصب
الجللّ , ويأتي بآخر يحقق أمنياتهم .. ويصُون حرماتهم ..
والمتابع
للأحداث المتعاقبة في وطننا العربي , يدرك مدى العقلية المتسلطة التي سيطرت على
أذهان وعقول حكامنا , فهم يعيشون في أبهى القصور , ويأكلون ويمرحون .. وخلفهم أطفالٌ
تصرخُ من جوع ٍ وفقر , وأسرى مظلومين يئنون من عذابات السجون , وآخرون يتخرجون من
جامعاتهم ليتسلموا وظائفهم على مقاعد المقاهي وأزقة الشوارع ..
ولا
يتذكروا شعبهم إلا بعد أن يتفجر هذا الأنين الصامت , فيخرج هذا الحاكم لينادي
بإصلاحات ٍ وتغييرات للحكومة والوزارات , بل الأغربُ والأعجبُ من ذلك !! أمرٌ لم
يسبق له مثيل ٌ في التاريخ .. حاكماً ظالماً طاغياً مستبداً .. سمي ما شئت من
الصفات , يدافع عن ظلمه وجبروته .. فيقمع المتظاهرين , ويُقتل ويُذبح بأبناء وطنه
وشعبه .. لأجل منصبٍ لا تساويه قطرة دمٍ من شهيد , أو صرخة أمٍ فقدت فلذة كبدها
الوحيد ..
وكثيرٌ
هي الحكايات والروايات .. في مصر وتونس وليبيا وسوريا , ولكن ما حدث للطفل الذي لم
يتجاوز الثالثة عشر من العمر " حمزة الخطيب " على يد القوات السورية ..
شيء لا يتصوره إنسان , فهذا الطفل البريء , لم يتخيل يوما ً أن نهايته ستكون على
يد من يحكمه , فالكلمات ُ تعجزُ عن الوصف والحروف تأبى عن التعبير , لمدى الوحشية
والألم الذي عاشه هذا الجسد الضعيف .. فليس هناك مكان ٌ إلا وفيه أثارُ تعذيب ٍ أو
حروق أو إطلاق نار .. لينتهي به الألم بأن تفارقه روحه إلي بارئها , لتشكو ظلم
الأسد .. الذي لا يزأرُ إلا على أبناء شعبه ..
يا
بشار .. " حمزة " ليس عدوا لك .. ولا كل أطفال سوريا وحرائرها .. فصوب
سلاحك نحو عدوك الحقيقي , الذي يجثو فوق تراب أرضك منذ حكم أبيك قبلك , ولم نرى
حراكا ً منك ولا من جيشك وأجهزة مخابراتك , التي لا تعرف عدواً غير المعارضين
والشرفاء والمناضلين ..
وأخيرا
أقول .. حكامنا لا يطبقوا قاعدة البشر الطبيعية .. فهم يأبون الرحيل .. ظالمين
كانوا أو عادلين .. ووجودهم مرتبط بآخر نفس ٍ في حياتهم .. فقد غيروا نظرية
الفيلسوف " ديكارت ", وخرجوا علينا بنظرية ٍ جديدة تقول : " أنا
أحكم إذن أنا موجود " , فحقا ً.. إنهم ليسوا من بني البشر ..
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق