مزرعتي
الحزينة
بقلم / خليل نظير اللوقا
لم
يجد الشبابُ الغزيين ملاذاً لقضاء وقت فراغهم في بساتين أو حدائق أو أماكن عامة
يقصدونها ليروحوا بها عن أنفسهم وليبتعدوا قليلاً عن همومهم , فوجدوا على الانترنت
سبيلاً يحقق لهم مبتغاهم ويلبي لهم رغباتهم , وكان لموقع الفيس بوك نصيبُ الأسد باستحواذهِ
على عقولِ الشباب بما يتكدس به من محتوياتٍ ترفيهيةٍ جمة , فأصبح للشاب الغزي
شخصيتين .. الأولى هي أمراً واقعياً ملموساً وتحمل اسمه الحقيقي ولكنها مكبوتة النفس
وضعيفة الحس , والأخرى قد تكونُ تحمل اسمه الحقيقي أو اسماً رمزياً عكِف الشبابُ
على إبداعهِ وابتكاره , حتى يظهر للعالم الافتراضي شخصيةً أخرى تبدو سعيدة وهنيئة
, لا تشكو من تفككٍ أسري أو تقصيرٍ حكومي أو ظلمٍ وظيفي أو تشتتٍ تفكيري أو تكدسٍ
علمي وأضف عليهم تخبطٍ سياسي ..
ولعلَ
من أهم ما خطف عقول وقلوب الشباب بغزة هي لعبة " المزرعة السعيدة " ,
وهي عبارة عن تطبيق يتيحه موقع فيس بوك تجعل من الشخص الممارس للعبة , ممتلكاً
لأرضٍ وزرعٍ وحيوانات , يتنافس مع أصدقائه لتربيتها وتضخيمها , والأهمُ من ذلك كله
هو أن تلك اللعبة يشترط فيها الدخول يومياً والاهتمام بزراعتها وحصادها وإطعام
حيواناتها !!
وأينما
حللت وارتحلت في أزقة القطاع الضيقة , لن تجد مسامرةً لشباب أو جلسةً لفتيان إلا
وستسمع عن تلك اللعبة , فشابٌ يطلبُ من أصدقائه مبادلة بقرةٍ أو خروف , والآخرُ
يطلبُ زراعة نباتٍ أو حصاد ثمار أو توفيرٍ لسمادٍ أو لمال , ولكن الأمرُ الجلل هو
أن مَزَارِعَ شباب القطاع الوهمية أصبحت تعاني أمراً خطيراً , فهي مهددةٌ بالجفافِ
والانقراض , ليس بسبب انعدام السماد أو الأدوية أو نقصٍ للمالِ أو للذهب أو بسببِ
فسادٍ متفشي في وزارة الزراعة .. إنما بسبب الكهرباء !! فقد حطت هذه الأزمة
المستمرة بظلالها على تلك المَزارِع , ولم تسلم الخِراف ولا الأبقار ولا الزرع من
معضلةٍ تفاقمت في الأيام الأخيرة , حتى أصبحت أمراً لا يُطاق , فتفكيرُ مزارعينا
الجُدد اليوم ينصبُ على كيفية التكيف مع جدول الكهرباء الصارم , فيقضون انقطاعه في
النوم العميق , حتى يتفرغوا في وقتِ طُلوعِ شمس الكهرباء , ليمارسوا مهنتهم الشاقة
وليعيدوا ترتيب مزرعتهم وتحسين ظروف حيواناتهم .
فنسيَ
الشبابُ كلياً ظروفِ الوطن المعقدة ومآسيه , فقد نسوا انقساماً فلسطينياً طال ..
ونسوا حصاراً خانقاً لا زال .. ونسوا تعليمهم ودروسهم من أجل توفير الذهب للمزرعة
والمال !!
وخِراف
المزرعة وأبقارها تشكو قلة الطعام والزاد , وحقول الشعير والقمح تحسد مزارع أخرى
توفر فيها الماءُ والسماد , فيا عجباً لحيواناتٍ وهميةٍ ظلمت !! ولمزارعَ افتراضيةٍ
أهملت !! والسبب هو نفسه ما أثر على شبابٍ وعائلات ومصانعَ ومستشفيات ومدارسَ
وجامعات وصحفاً وقنوات وإذاعات , وكل ما كانت الكهرباء منارة له ومطلباً لتشغيله
وتفعيله..
إن
ما يحدثُ الآن في غزة من تداعياتٍ لأزمة الكهرباء , لم تسبب ضرراً صحياً أو
اقتصادياً أو تعليمياً فحسب , بل طالت العقولَ والألباب , وحطت رحالها لتبسط في
نفوس أعمدة الأمة الشباب , فأثرت عليهم تأثيراً قوياً خطيراً , ليس فقط في واقعهم
الحقيقي المنكوب , بل وصلت حتى لواقعهم الافتراضي الملعوب !! حتى مزارعهم الوهمية
باتت تعاني وتشتكي , فحُقاً لكم يا شبابَ غزة أن تبدلوا أسماء ونعوتِ مزارعكم ,
وتطلقوا عليها اسم .. مزرعتي الحزينة !!
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق