رمضان غزاوي !!
بقلم / خليل نظير اللوقة
بمبلغ
ٍليس بالهين .. اشترى أبو جابر مروحة لتخفف عنه حر الصيف نهاراً ًوتخلده للنوم
الهانئ ليلاً .. وفرحت أم جابر كثيراً بمروحة زوجها فهي دوماً ما كانت تلج رأسه
بمكيف جارتها أم علي الذي يحول البيت من فرن ساخن لثلاجة تعزف النفس عن ترك حلاوة
الهواء البارد فيها ..
وقضت
أم جابر ليلة سعيدة مع زوجها قبل رمضان ليس بمتعة الفراش الناعم !! إنما للمرة
الأولى لم يستيقظا وقد انهمر العرق وتصبب ماء الجسد على السرير ضيق الأفق ,
فالكهرباء لحسن حظهما هنأتهم بمروحتهم الجديدة وأكملت ليلة كاملة بلا غمز أو لمز
!! وفي الصباح السعيد قام أبو جابر للتلفاز ليشاهد الأخبار منتظراً طعام الإفطار
مع أولاده الثلاثة وزوجته , ومن بعده سينطلق ليقضي قوت يومه في دكانه البسيط بجوار
المنزل , وهنا وقفت عيني أبو جابر على وجه بشوش المنظر لائق الكلام تبدو عليه معالم
إحساس بمسؤولية كبيره ومهمة ثقيلة , كتبوا تحت وجهه الموقر ....... شركة كهرباء
غزة , فشد انتباه أبو جابر وأخذ يستمع لسلام وتحية وتهاني وتبريكات بقدوم رمضان
فرد عليه أبو جابر وهنأه وشركته فهم أصحاب الكهرباء التي بدونها لن تدور مروحته
الجديدة ولن تبرد ثلاجاته العصائر بدكانه ..
انتهت
الفقرة الأولى من الخطاب وأبو جابر لا يعلم بأنه قد شُرب مهدئاً وأُطعمَ مُسكناً
ولكنه لن يكون طويل الأمد , فأبو جابر انفجر بعد سماعه كلام ( يسم البدن ) من هذا
الوجه المقنع :" غزة على موعد مع جدول جديد لقطع الكهرباء في شهر رمضان المبارك
" وعادت بسمة صغيرة لأبو جابر عندما سمع " سيطرأ تحسن ملحوظ على الكهرباء
برمضان " ولكنه سرعان ما عاد للإغماء فالوجه البشوش قال :" سنزود ساعة ونؤخر
ساعة " , ما شاء الله عليكم شركة تسهر لعيون المواطن .. يقول أبو جابر .. وقبل
أن يهم بمناداة زوجته انقطع صوت ذلك الرجل فشركته قطعت الكهرباء وفاءاً ً لكلامه
المعسول !!
خرج
أبو جابر من البيت للدكان غضباً يفكر برمضان الذي سيحل غداً ولا كهرباء وحر شديد
شديد , والشركة والحكومة يلعنان الشعب بتضخيم للأزمة وتصدير للمشكلة وتزويدها ..
اقتباسات من الشارع الغزي ..
مضى
يوم أبو جابر الثقيل وانتظر الكهرباء التي حلت مساءاً , ليقضي ليله فرحاً مع أسرته
بحلول رمضان في الغد , فقد أحضر أبو جابر طعاماً للسحور ونظم ساعة المنبه على
الثالثة فجراً ليبدأ أول أيام الصيام ..
استيقظ
أبو جابر على الواحدة والنصف ومعه أم جابر فالمروحة توقفت والضوء الخفيف انقطع بعد
أن انطفأت الكهرباء عن الحي بأكمله , لم يستطع أبو جابر النوم وأخذ يقلب كف على كف
ويلعن ويسب ويشتم وأم جابر تهدأ من روعه قليلاً , وخرج أبو جابر من البيت ليجد
أمامه الجيران مصطفين يلعنون ويسبون , فابتسم .. فقد علم أنه ليس لوحده من أذنب
إنما غزة كلها تسب وتلعن .. " أنه أول أيام رمضان يقطعون الكهرباء " ,
"ربما هي قَطعَة بسيطة لتخفيف حملٍ زائد " , وهنا ينفجر أبو جابر:"
حملٌ زائد الساعة الواحدة والنصف يا أبو حسن !! أرجوك اصمت " ..
وفجأة
أضاء الحي لبرهة .. ومن ثم عاد للحال الميؤس , ليعيد الأهالي مسباتهم على المسؤولين
وحججهم الواهية البالية .. " إنها غمزه رمضان من المسؤولين لنا " يعلق
أبو جابر حقداً وتهكما ً..
رنت
ساعة المنبه ولم تجد من يوقفها سوى جابر بعد أن ضربها بالأرض غضباً وقهراً على
انقطاع الكهرباء , ونادى جابر والده ليتناولوا السحور المحسود على شمعة تترنح
ساخرة على صمتنا البائس وسكوتنا المغلف بخوف وجبن بلا سبب ..
وصلى
أبو جابر بالمسجد على أنوار الشواحن الضعيفة ودعا ربه أن يجعل رمضان غزة عامراً
بالكهرباء وزاخراً بالشموعِ والأضواء , وأن يكون فطوره ليس كسحوره الموكوس !! وأكمل
دعائه بأن ينزع الله الجبن والخوف من صدور الشعب لينتفض لمرةٍ واحدة يطالبُ بحقٍ
مشروع ومِلكٍ مهدور ..